تجارب فيبساوية | دكتور محمود السعيد
كتب :- د/ محمود السعيد
دخلت الكلية صدفه, لم أسمع عنها حتى يوم كتابة الرغبات. كنت ذلك الطالب في
ثانوية عامة –علمي رياضة- الذي يعشق مقررات الرياضيات, والذي يعتبر أحد
أقاربه الذي يعمل مهندسا مثلا أعلى يحتذى به, والذي يحلم بأن يلتحق بكلية
الهندسة لكي يصبح مثل قريبه هذا, حصلت في الثانوية العامة علي المجموع
المطلوب لدخول بعض كليات الهندسة دون الأخري. و عند وقت كتابة الرغبات,
سألت مساعدة جاري, طالب كلية الآداب بجامعة الاسكندرية, فأشار علي بكتابة
كلية الهندسة جامعة الأسكندرية كرغبة أولي, لأنني من أهل مدينة الأسكندرية,
ثم كلية الاقتصاد و العلوم السياسية كرغبة ثانيه. لا أعلم لماذا وافقت علي
اقتراحه وقتها, و لم اتمسك بكتابة باقي كليات الهندسة كرغبات تالية للرغبة
الأولي. إنه كان القدر الذي أختار لي هذا المكان.
المهم جاء خطاب الترشيح الذي يحمل خبر قبولي بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية, و عمت الفرحة أرجاء منزلي, لكن ظل بداخلي مسحة من الضيق لعدم تحقق رغبتي الأولي- هندسة الأسكندرية. شاءت الأقدار و دخلت كلية الاقتصاد, و صدمت في أول محاضرة لي , و كانت للمصادفة محاضرة مبادئ الإحصاء, حيث تحدث وقتها أستاذ المادة, و كان أستاذنا الكبير د. حسين عبد العزيز, عن فرص العمل لخريجي الكلية و نصحنا بأن لا نعول كثيرا علي أننا سنتخرج منها سفراء و وزراء كما يروج الكثيرون, بل إن حقائق الأمور تقول أن نسبة البطالة بين خريجي الكلية في أرتفاع شديد. شعرت وقتها بمرارة كبيرة و زاد من المرارة إحساسي بأنني تغربت و تركت أهلي لأنتقل للقاهرة للدراسة بكلية من كليات القمة و لكن بعد تخرجي سأنضم إلي طابور العاطلين.
قررت أن أقضي باقي العام بأي شكل أو آخر, و أن أقوم بالتحويل لكلية الهندسة في العام التالي. لم أتابع المحاضرات وقتها بانتظام و كانت نسبة حضورى تقل عن 50% في معظم المقررات, حصلت علي درجات منخفضة في أمتحان نصف العام (لم تكن الدراسة علي فصلين وقتها, بل كانت سنة دراسية يتخللها امتحان نصف العام), و استمر الحال علي ذلك حتي قبيل نهاية العام حينما تحدثت مع أحد الأصدقاء من طلاب كلية طب الأسنان, و ذكرت له شعوري بالمرارة بسبب التحاقي بهذه الكلية التي لا أجد فيها نفسي. أتذكر يومها أنه قال لي بأنني سأصبح من المتفوقين فيها و سأكون عضوا بهيئة التدريس بها. نظرت إليه نظرة سخرية الغير مصدق. المهم كان كلامة مؤثرا إلي حد كبير في مسار حياتي, فكان باقي علي الأمتحان أسبوعين وقت هذا الحديث و لم أكن قد ذاكرت و لو حتي 10% من المقررات وقتها. بدأت بمذاكرة المواد النظرية مثل مبادئ العلوم السياسية و الاقتصاد و غيرهما, ثم المواد الرياضية مثل مبادئ الرياضيات و الإحصاء. دخلت الأمتحان, و حصلت علي تقديرات عالية جدا في المواد النظرية : أمتياز في الأقتصاد و جيد جدا في السياسة. و لكن في الرياضة و الإحصاء كان تقديري مقبول و جيد. بعد النجاح و بشارة الصديق, قررت أن أستمر في الكلية التي بدأت أحب وجودي بها شيئا فشيئا, و لغيت تماما فكرة التحويل لكلية الهندسة في العام التالي.
قررت أن التحق بالقسم الذي اشعر بأنني سأجيد فيه, و هو قسم الإحصاء, بغض النظر عن تقديراتي في العام الأول. و هنا نصيحتي لطلابي الأعزاء في السنة الأولي, لا تلتحق إلا بالقسم الذي تشعر أنه يتناسب مع قدراتك و أمكانياتك, و لا تلتفت -إلا قليلا- إلي تقديراتك في العام الأول كمعيار للأختيار, نعم هو معيار مهم, لكن أجعله المعيار الثاني أو الثالث في الأختيار. لا تسمع أيضا لمن يقول لك أدخل هذا القسم لأنه اسهل, أو لأن فرص العمل به أعلي, نعم هي أيضا معايير هامة في الأختيار, لكن الأهم هو ما هي قدراتك و ماذا يناسبها من أقسام.
في السنة الثانية, بدأت أواظب علي الحضور أكثر من السنة الأولي , و إن كان حضوري لم يزل قليلا, و لكني حصلت علي تقديرات مرتفعة في نهاية العام الدراسي و كان التقدير العام جيد جدا و ترتيبي هو الرابع علي الدفعة. قابلني رئيس قسم الإحصاء وقتها-د. عبد الحميد نجم- و قال لي أنني لو أجتهدت في العامين المتبقيين لي في الدراسة و حصلت علي تقدير ممتاز, فسوف يتم تعييني معيدا بالقسم مهما كان ترتيبي, حيث أنهم يريدون معيدون بشدة لأن معظم المعينين في الأعوام السابقة كانوا معيدات. كان هذا أكبر دافع لي للأجتهاد في أخر عامين في الدراسة, حيث كنت الأول علي الدفعة في كل الأمتحانات التي أجريت خلالهما. حصلت علي تقدير ممتاز في السنة الثالثة و الرابعة و تم اختياري كمعيد بالقسم.
نعم أقولها الآن, لم أكن مصيبا عندما شعرت بالندم لدخولي الكلية, بالصدفة البحتة, فالأقدار شاءت أن التحق بها, و علمت الآن أن أفضل أختيار هو أختيار القدر لي. أفخر بأنني خريج لهذه المؤسسة العريقة التي أنجبت عظماء أثروا في تاريخ مصر السياسي و الاقتصادي و في المجال العام, سواء علي المستوي الأكاديمي أو علي مستوي الممارسة العملية كمستشاريين و وزراء و سفراء...الخ. أشعر بالفخر لإنتمائي لقسم الإحصاء, و هو فخر لكلية الأقتصاد علي جميع الأصعدة, فالقسم هو الأول بين أقسام الكلية في النشر العلمي في المجلات الدولية (أكثر من 50% من الأبحاث المنشورة دوليا من الكلية من قسم الإحصاء), و أساتذة القسم هم أكثر الأساتذة حصولا علي درجات أمتياز في تقييم الطلاب, و هم أكثر المشاركين في الأعمال الإدارية بالكلية, و القسم يتخرج منه طلاب علي درجة عالية من الكفاءة و الجودة, و هو الأقل في نسبة البطالة بين الخريجين من بين الأقسام الثلاثة, و إن كانت نسبة البطالة المرتفعة قد طالته هو الأخر في الأعوام الأخيرة بسبب الظروف الأقتصادية التي تمر بها البلاد.
مفتاحيه :
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, سياسة واقتصاد, فيبس, تجارب فيبساوية, د/محمود السعيد, قسم الاحصاء, تجربة دكتور محمود السعيد, FEPS, 4P , اسرة فوربي, اسرة 4P.